الدكتورة إيمان علي الحرشة، الباحثة والمتخصصة في إدارة الموارد المائية. الدكتورة إيمان حاصلة على دكتوراه في مجال إدارة المياه من جامعة إكستر البريطانية، وماجستير في نفس التخصص من جامعة كارلس روا الألمانية، وهي عضو هيئة تدريس في جامعة سرت.
بصفتي مصممًا وميسرًا لورشة عمل تدريبية حول إدارة الموارد المائية بالتعاون مع المبادرة الأوروبية لإعادة البناء، في دورتها السابعة, يسرني أن أشارككم هذا التقدير للنتائج الرائعة التي تحققت خلال التدريب الذي استهدف متدربين من 10 بلديات في ليبيا. كان من دواعي سروري الكبير أن ألاحظ التفاعل المتميز من المشاركين والمسؤولين في هذه البلديات، حيث أظهروا حماسًا واهتمامًا بالغًا بكل جوانب إدارة المياه. كان الحوار مثمرًا، حيث تم تبادل الأفكار والرؤى بشكل بناء واحترافي.
تعاني ليبيا من العديد من المشاكل المتعلقة بالمياه، وخاصة في ظل تغير المناخ والاستخدام المفرط لمياه الشرب، بالإضافة إلى عدم صيانة شبكات الصرف الصحي ومياه الشرب. كما أن هناك قلة في الاستفادة من مياه الأمطار للأغراض المختلفة. وبما أن ليبيا تواجه تحديات كبيرة في توفير المياه مع زيادة عدد السكان، وعدم وجود دراسات تنبؤ دقيقة لمعدلات استهلاك المياه، فقد أصبح من الضروري أن يكون قادة البلديات مسؤولين عن معالجة هذه المشاكل. ولذلك، تُعد هذه الدورة أداة أساسية لحماية المجتمعات المحلية. المعرفة التي يتم تبادلها في هذه الدورات تساعد في زيادة الفهم وتقديم استراتيجيات فعالة لمعالجة المشاكل الحالية والتخطيط لمستقبل أفضل لمواجهة التحديات والعثور على الحلول المناسبة.
نبذة عامة عن الدورة:
تعتبر المياه أكثر الموارد الطبيعية قيمة, وتتطلب إدارتها الفعالة توازنًا دقيقاً بين الاستهلاك, الحفاظ, والاستدامة.
إن إعطاء دورة تدريبية متخصصة في مجال الموارد المائية في ليبيا له أهمية كبيرة في رفع الوعي وتطوير المهارات اللازمة للتعامل مع هذه التحديات. من خلال هذه الدورة، يمكن للمتدربين فهم أهمية المياه كمورد نادر، وتعلم كيفية تحسين كفاءة استخدام المياه في مختلف القطاعات مثل الزراعة والصناعة والاستهلاك المنزلي. بالإضافة إلى ذلك، سيتعلم المتدربين كيفية تطبيق تقنيات متقدمة في إدارة المياه، مثل النماذج الهيدروليكية، وتحليل البيانات المائية، وتحلية المياه، وتقنيات الحفاظ على المياه المستدامة.
تم تصميم الدورة لتلبية احتياجات المتدربين والمهتمين بمجال الموارد المائية, مما يمكنهم من تطبيق أفضل الممارسات والاستراتيجيات لضمان إدارة فعالة للمياه في ليبيا.
تم تقديم الدورة على مدار جلستين, وذلك على النحو التالي:
- الجلسة الأولى (23/12/2024):
تم تقديم فكرة شاملة للتعريف بمفهوم إدارة المياه, بالإضافة إلى تعريف المتدربين بعناصر وأهداف إدارة المياه, وكذلك مفهوم التنمية المستدامة. كما تم تسليط الضوء على تحديات إدارة المياه في ليبيا, بما في ذلك ندرة الموارد المائية, تأثيرات التغير المناخي، ومشكلات البنية التحتية، مثل تهالك شبكات الصرف الصحي ومياه الشرب. كذلك تم تناول الإطار التشريعي للبلديات في ليبيا بشأن إدارة المياه، مع التركيز على الحلول المستدامة لهذه الإدارة.
نظرًا لأن حل قضايا المياه في ليبيا يتطلب استراتيجيات شاملة ومستدامة، فقد ركزت الدورة على بعض النقاط المهمة ومناقشتها مع المتدربين، مع تقديم أمثلة واقعية. ومن بين هذه الأمثلة، تم تسليط الضوء على كيفية تقليل الهدر في الاستهلاك المنزلي للمياه، بالإضافة إلى مناقشة ضعف الوعي لدى السكان في مختلف المدن الليبية بشأن الاستهلاك المفرط لمياه الشرب. كما تم تقديم دراسة حالة حول تحديد معدل استهلاك الفرد في مدينة سرت خلال فصلي الشتاء والصيف، ومقارنته بمعدل استهلاك الفرد في بعض المدن المتقدمة. وتم البحث في الحلول الممكنة لتقليل الاستهلاك والحفاظ على الموارد المائية بشكل أكثر كفاءة واستدامة.
تم عرض بعض الاستراتيجيات التي تم تطبيقها على الدراسة الحالة في مدينة سرت بهدف زيادة كفاءة استخدام المياه وتقليل الهدر. ومن بين هذه الاستراتيجيات:
- استخدام حنفيات ذات تصريف اقتصادي
- استخدام مراحيض ذات تصريف منخفض
- إعادة استخدام المياه الرمادية
تمت مقارنة معدل استهلاك المياه عند تطبيق هذه الاستراتيجيات مع معدل الاستهلاك بدون استخدامها، مما أظهر الفارق في كفاءة استخدام المياه.
- الجلسة الثانية (14/01/2025):
تم تقسيم الجلسة الثانية إلى جزئين:
الجزء الأول: استُكملت مناقشة بعض الاستراتيجيات لإدارة المياه، ومن بينها حصاد مياه الأمطار وكيفية الاستفادة منه في بعض الاستخدامات المنزلية والزراعية، بالإضافة إلى إمكانية تقليل هدر المياه الصالحة للشرب. كما تم التركيز على استراتيجيات أخرى، مثل استخدام الأسطح الخضراء، وتم توضيح كيفية تطبيق هاتين الاستراتيجيتين في مدينة سرت، مما أدى إلى تجميع كميات كبيرة من المياه وتوفيرها للاستفادة منها بطرق مستدامة.
إلى جانب ذلك، تمت مناقشة بعض المشكلات المتعلقة بشبكات الصرف الصحي، نتيجة انتشار استخدام خزانات الصرف الصحي غير المطابقة للمواصفات الهندسية في مدينة سرت وبعض المدن الليبية، ومدى تأثيرها على تلوث المياه الجوفية واختلاطها بمياه الشرب، مما يشكل تهديدًا على الصحة العامة والبيئة.
تم شرح ومناقشة مفهوم خطة سلامة المياه، حيث تم توضيح مكوناتها وأهدافها للمتدربين. بالإضافة إلى ذلك، تم تسليط الضوء على أهمية وجود جهود مشتركة بين الوكالات الحكومية والمنظمات غير الحكومية، مع التأكيد على ضرورة تعزيز التعاون الدولي لضمان تحقيق إدارة فعالة ومستدامة للمياه في ليبيا.
في الجزء الثاني والأخير: تم تخصيص وقت للمناقشة مع المتدربين من خلال عرض بعض الحالات والمشاكل التي تواجه البلديات في شبكات الصرف الصحي ومياه الشرب. كما تم طرح مجموعة من الأسئلة ومناقشتها بهدف توضيح بعض الحلول الممكنة.
ومن بين هذه الأسئلة، تم التطرق إلى ارتفاع منسوب المياه الجوفية في مدينة زليتن، حيث تم مناقشة أسبابه وإيجاد طرق للتغلب على هذه المشكلة. تم إعطاء وقت كافٍ لهذه المناقشة، حيث تم تحليل العوامل التي أدت إلى هذه الظاهرة، بالإضافة إلى اقتراح مجموعة من الحلول التي قد تساعد في الحد منها. كما تم إدراج هذه الحلول ضمن المادة العلمية المقدمة للمتدربين لضمان الاستفادة منها مستقبلاً.
الخلاصة:
إن مستقبل الأمن المائي في ليبيا يعتمد على تبني استراتيجيات شاملة ومستدامة، حيث يمكن من خلال توعية المجتمع، تطبيق التقنيات الحديثة، وتعزيز التعاون المحلي والدولي، ضمان توافر المياه للأجيال القادمة. هذه الدورة كانت خطوة أساسية في نشر الوعي وتطوير الحلول المبتكرة، بما يسهم في بناء نظام مائي أكثر كفاءة واستدامة في ليبيا.